دراسة في مجموعتي القصصية "أنا منهم" بقلم الدكتور حسين عبّاسي ، نُشرت في موقع anthropology وهذا الموقع یترأسه الدکتور ناصر فکوهي رائد الأنثروبلوجیا في إیران. وهو أفضل موقع یعمل في هذا المجال .
کما أعاد موقع بروال، نشر المقال.
أنا منهم .. ولي ذکریات
ولد الکاتب الإعلامي الدکتور مصطفی الشوکي عام 1971 في العراق. وصدرت له حتی الآن، عدة کتب؛ من إعداد وترجمة وتألیف، في مجال الأدب والثقافة والسیاسة والطفل. عاش فترة في إیران، وتعلّم الفارسیة، فترجم منها وإلیها. عمل، ولا یزال یعمل في مجال الأدب والسینما. وواصل دراساته حتی حاز علی الدکتوراه في الإعلام.
إنّ آخر عمل صدر لباحثنا العراقي في 2015، هو مجموعة قصص قصیرة جداً، أسماها: "أنا منهم". وقد قام برسم لوحات هذه المجموعة، الرسام البریطاني الشهیر: Guy Denning.
وهذه المجموعة القصصیة مع قلة حجمها – 96 صفحة – تحتوي علی ثلاثة أبواب، سمّاها الکاتب: ذکریات؛ فالذکری الأولی "لم یکن أحد هناک إلاّهما"، وعنوان قصصها: "حنین"، "اعتراف"، "سحر بابل"، "ذکری"، "اختلاف"، و"عناق". وأول جملة یواجهها القارئ في أول قصة، هي «امتَهَنا المنافي ..» مما یذکّرنا بسکنی القاص / العراقي في المنفی - قسرا، ولیس بالضرورة هو وحبیبته، وإنما هو ووطنه العراق، الذي یمثلّه الشخص العراقي من ذکر أو أنثی. ویعلل الکاتب امتهانهما للمنافي بهذه العبارة: «بحثاً في المدن والخرائط عن وجه بعضیهما» فکثرة المآسي التي واجهها العراق والعراقي / العراقیة طیلة العقود الأخیرة، جعلتهما باحثَین عن أحدهما الآخر، بل عن نفسیهما ککائنَین حنینین. وبسبب صمودهما - رغم کلّ ما حلّ بهما – یستمر الشوکي لیؤکد حضوره / حضور العراق في نفس القصة: «فمساحیق الحیاة لم تستطع طمسَ ملامح وجهیهما» إذ عنده – بعد ضرورة خروجهما من الغیاب: «فقد آن للتاریخ أن یعود.» وذلک کي یسجّل حضور العراق بمواطنیه – کما سجّل "سُمّو"ه من ذي قبل.
أما الذکری الثانیة، هي "حکایا المدینة"، حیث تبدأ بقصة "الطائر الغریب" وتنتهي ﺑ"أنشودة المطر". إنّ أنشودة المطر تشیر مباشرة إلی شاعر العراق العملاق "بدر شاکر السیاب" الذي یعتبر – إلی جانب "نازک الملائکة" رائدَ الشعر العربي الحدیث: الحرّ / التفعیلة. وکأنما الشعر الحدیث، هو بدایة جدیدة للعراق، والدخول في عصر المدنیة، فلابدّ من التضحیة من أجل الحفاظ علی هذه البدایة / المدینة. ولذا یطلب الوالد في القصة من ابنته الصغیرة التي یذکّرها بشموخ العراق وأیام خصبه وعطاءه: «لا تترکي الغناءَ وإن توقف کلّ شيء .. فستأتي السماء بهدایاها ولو بعد حین ..» لکن – وکلّنا نعلم أن هذا الحلم لم یأتِ حتی الآن، ولذا عندما «سکتت السماء ونامت الصغیرة» لم ینم الأب / القاصّ، بل: «انهمرت عینا أبیها بالمطر ..» إنّ الشوکي لا یرفع شعار التضحیة من أجل الوطن فقط، وإنما یبقی ساهر العینین منهمر المقلتین کي تری ابنته الودیعة یعشب العراق ویزدهر في المستقبل القریب.
والذکری الثالثة تحتوي علی قسط آخر من القصص، یؤکد القاص العراقي مصطفی الشوکي ضرورة الحضور والتضحیة، ولذا نجد عنوان هذه القصص تبتعد عن الضبابیة، بل تصرخ بکلّ قواها، وقد أدرک مغزی القصص الرسّام البریطاني، ورسم لوحات تناسب هذا المغزی، وراعی فیها الروح الشرقیة المنتشرة في القصص، وهي روح تتصارع مع نفسها / الماضي، توّاقة إلی الحضور في الآن / الحال الراهن: "أوجاع"، "قهوة عربیة" "قلم حادّ"، "نصفه الآخر"، "مسطرة"، "دهس"، "خلل روحي"، "کان هو"، ألوان"، و"سموّ" هي عناوین هذه القصص العشر من الذکری الثالثة. ولنا أن نذکر قصة "نصفه الآخر" کي نری تأکید الشوکي علی ضرورة "الحضور" والابتعاد عن "الغیاب" الذي جاء في نهایة قصته الإولی "حنین". فهکذا یسرد قصته القصیرة جداً؛ "نصفه الآخر":
«کلما أراد الکتابة باسم مستعار ، تدخل في حیاة الناس الخاصّة ، نطق قلمُه بکلّ وساخة ..
عندما کتب باسمه الحقیقي کان نجیبا جدّاً ...!»
تبدأ مجموعة "أنا منهم" القصصیة بقصة "حنین" وتنتهي بقصة "سموّ". وهذه البدایة والنهایة، ترسم لنا رأي القاص العراقي بالنسبة لوطنه العراق، وعلاقته بأهله العراقیین، وسموّ نفسه الحنینة الأبیة.
حسین عباسي
رابط المقال
http://anthropology.ir/article/30474
تعليقات
إرسال تعليق